المغرب يقترب من حسم نزاع الصحراء.. والجزائر ستختار المواجهة

 المغرب يقترب من حسم نزاع الصحراء.. والجزائر ستختار المواجهة
صبري الحو*
الثلاثاء 6 أبريل 2021 - 23:23

يبدو أن تدبير مرحلة الحسم في نزاع الصحراء أمر في غاية الصعوبة، وعلى درجة كبيرة من التعقيد، وشدة الحساسية. 

فالأمر يحتاج إلى قيادة مصممة تبادر ولا تتنازل، وإلى تركيز ومهارة الديبلوماسي الفعّال والناجع، ويقظة وغلظة العسكري المتأهب الشجاع الذي لا يُهادن، وإلى إجماع وتضحيات كل الشعب الذي يؤمن بالحق، ويستمر مطالبا به، ويصبر ولا يمل، مع مساندة كل قوى الأمّة دون أنانية وبلا مقابل. 

وقد أدركنا من موقعنا كباحثين وخبراء أن الانتقال قد تم، وأن منعطفا طرأ في مسار التدبير في اتجاه النهاية والحسم، تؤيده مؤشرات عديدة شملت حدوث وقائع وأحداث مؤثرة ومتحكمة في النتيجة، في أدوات وآليات وقطاعات ومجالات الصراع والتنافس.

وبقدر وضوح الرؤية بجاهزية الحل، فقد برز بموازاته التفوق المغربي، ومسكه بزمام الأمور بتوفره وحصوله على ترسانة من اللوائح والقرارات الأممية تواكب التحول ورسو النظرة والمقاربة الأممية للنزاع ولطبيعة وشكل الحل على السواء.

وقد تمكن المغرب أيضا من نزع واخماد فتيل ضغط وتدخلات التنظيم المؤسسي القاري الإفريقي على الأمم المتحدة المنحازة قبل رجوعه إليه، وتصويب فعله ليكون مدعما ومساندا للولاية والفعل السياسي الأممي كهدف وغاية، وحصر التداول فيه للجنة "ترويكا" أفريقيا، ونزعه من بين يدي موظفي الاتحاد، وتحريم الخوض فيه على باقي أجهزته التقنية.

وعلى غرار قدرة المغرب الفائقة برفع الضغوط الأفريقية التي كانت تشوش على قناعة وتركيز مجلس الأمن، طال مستوى تكييف النزاع وتعريفه على أنه تحديد للوضع النهائي وليس استعمارا، والكشف عن أطرافه الجماعية لتشمل الجزائر، ووضع شروط وضوابط للحل التي هي؛ سياسية وذات مضمون يراعي الواقع ويجعله قابل للتطبيق بعيدا عن الطوباوية.

في هذا السياق، تعامل المغرب مع بوادر الاختلاف بين أجهزة الاتحاد الأوروبي، وتناقضها بخصوص اعتماد النطاق الجغرافي في الاتفاقيات التي تجمعه مع الاتحاد على أنه شأن أوروبي محض لا تتأثر به المملكة، ترفضه، ولا ترضخ له.

فبين مجلس أوروبا والمفوضية الأوروبية اللذين يتفاوضان مع المغرب، ومجلس أوروبا الذي يتعاقد معه، والبرلمان الأوروبي الذي يصادق على تلك المعاهدات والاتفاقات على أساس كامل إقليمه الذي يشمل كل الصحراء، بما فيه محل النزاع يخضع لأحكام التعاقد ويسري عليه ويطبق فيه. فقد ظهر توجه لاجتهاد قضائي في المحاكم الأوروبية يقيم تمييزا في مجال تنفيذها في الإقليم المغربي الكامل، ويستثني إقليم الصحراء. يتزعمه بعض قضاة أوروبا الشرقية والشمالية.

ورغم أن نتائج لجوء البوليساريو إلى النظام القضائي الأوروبي وإلى مجموعة من النظم القضائية الوطنية لدول الغير، ومباشرته لدعاوى قضائية تنفيذا لمخرجات ندوته بالجامعة المستقلة ببروكسيل لم يكلل بالنجاح في منطوقها الذي انتهي أوروبيا برفض طلباتها في إلغاء ااتفاق الصيد البحري والاتفاق الزراعي والتعريف الجمركي التفضليي.

وتعزز هذا الفشل بمصادقة البرلمان الأوروبي على تجديد هذه الاتفاقيات دون تمييز في الإقليم المغربي، حيث تفطنت أوروبا أن غير ذلك يعتبر اتخاذا لموقف غير مبرر لصالح البوليساريو ويسبق التدبير السياسي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ويتناقض مع القرار الأوروربي المؤيد لتدبير تلك المنظمة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نجح المغرب في اقناع أمريكا للاعتراف بشرعية سيادته على كل إقليم  الصحراء محل النزاع، وهي قناعة تكتسي أهمية استراتيجية خاصة واستثنائية تبعا لعظمة تلك الدولة ودورها في صناعة والتأثير في مجريات التاريخ والسياسة والجغرافية العالمية الحديثة والمعاصرة، وتبعا لمكانتها وعلاقتها بملف النزاع داخل مجلس الأمن، بحيث يُعَوّلُ على ذلك كثيرا لتكسير قاعدة الحياد السلبي وأسلوب المجاملة المفرطة الذي تتعامل به كثير من الدول لصالح الجزائر.

وهو النهج والموقف الذي اختارته من ذي قبل مجموعة من الدول الأفريقية والعربية بامتلاكها الجرأة لمطابقة قناعتها ومواقفها المعبر عنها لصالح مغربية الصحراء بتصرف على الأرض وفتح قنصلياتها في كل من الداخلة والعيون، والاصطفاف إلى جانب المغرب.

وتأتى للدول الأفريقية ذلك بعد أن استرجعت من التنظيم الافريقي حرية وسيادة التصرف في قرارها الخارجي في علاقة بالنزاع، بعد أن كان قرارها لسنوات رهين تلاعب الجزائر وجنوب إفريقيا في إطار زيف وزورية الإجماع والتوافق الأفريقي في ظل غياب المغرب عن الإتحاد الأفريقي ومن ذي قبل عن منظمة الوحدة الأفريقية.

ولهذا السلوك والتصرف في قرار فتح القنصليات آخرها قنصلية دولة السنيغال بُعدين إثنين على الأقل؛ الأول له علاقة بأهمية الاعتراف في العلاقات الدولية والقانون الدولي في تأكيد شرعية سيادة المغرب على صحرائه، والثاني له خلفية مستقبلية بوضع لبنات تؤسس لتنفيذ مبادرة المغرب بالحكم الذاتي.

وهو بذلك بمثابة شهادة ميلاد دولية بتفرد المنطقة، وأن وضعها المييز يمكنها من الانتقال من الجهوية المتقدمة إلى نمط تدبير خاص في إطار الحكم الذاتي، المؤطر بتوجيه وتوجيه مجلس الأمن بتحديد وضع الإقليم النهائي، وهو شرط في مبادرة المغرب للتفاوض من أجل تطبيق الحكم الذاتي. 

ولهذا، فأنا شخصيا لا أتصور مثلما لا استحضر مفاوضات إلا بشرط الموافقة المسبقة بالحكم الذاتي، وبشرط آخر في بقاء الإقليم تحت سيادة المغرب. ويمكن الحديث عن بُعد آخر ثالث يتحكم في فتح القنصليات له علاقة بالخلفية والبعد الثاني، ويتمثل في كسر الجمود والسعي لتثبيت الحل في إطار الواقعية المطلوبة أمميا.

ولا يختلف الأمر لصالح تقدم المركز المغربي سياسيا عنه في الميدان، ذلك أن المغرب تمكن من طرد عناصر البوليساريو من معبر الكركرات وتأمين المنطقة، وإغلاق منافذ تسللهم عبر الحدود الجنوبية المغربية الموريتانية.

الشيء الذي استوجب واستنهض ورفع الوعي لدى الأخيرة بحيوية الالتزام بمراقبة حدودها الشمالية مع المغرب، وهو تحول له أهمية استراتيجية وأمنية، فهو يضيق الخناق على البوليساريو بشكل يرغمها الرضوخ للحل والسعي إلى البحث بجدية عنه والقبول به في إطار الواقعية القائمة عمليا بدلا من المشاكسة.

ويسمح ذلك للمغرب بنقل كل ثقله نحو المنطقة شرق جداره الدفاعي في اتجاه حدوده مع  الجزائر، والإسراع في إحكام قبضته على كل منافذ البوليساريو مستفيدا في ذلك من تنصل البوليساريو من التزامها بوقف إطلاق النار الذي أبرمته مع الأمم المتحدة، ومن فشلها في حماية المنطقة من اعتداءات البوليساريو، وعجز المينورسو في مراقبتها واعترافها بصعوبة ذلك.

وبتأمين المغرب للمنطقة، فإنه يُوفر لعناصر هذه البعثة الأمن والأمان الذي كانت تخشاه تقارير الأمين العام للأمم المتحدة. وهو أيضا الشيء العملي الذي يدحض به المغرب كل مزاعم الأراضي المحررة انسجاما مع قرارات مجلس الأمن.

ويمكن الخروج باستنتاج مفاده: أن المغرب، حَصّن كل الجبهات، وله مكاسب تأكيدية أنه صاحب الحق. وعلى هذا الأساس انطلق بثقة لصنع الحل ميدانيا، وهو يمضي في مسار مدروس لتنفيذ خطة ستنتهي بوضع أراضيه تحت حيازته وسيادته. 

وقريبا ستجد الجزائر نفسها وجها لوجه مع المغرب، إذ ذاك لن يكون بوسعها ادعاء أنها غير معنية، وسيكون مُحتم عليها أن تختار مضطرة ومكرهة بين الحوار لحل مشكلة ساهمت في صنعها، وهي التي تنادي حاليا بأنها لن تقبل بأي حل خارج إرادتها، وأن النزاع يَدخل ضمن أمنها القومي. أو تختار المواجهة المباشرة مع المغرب، وسيتأكد لكل العالم أن النزاع مع الجزائر وليس مع البوليساريو التي ستنتهي حتما في ناتج كل المعادلات؛ الحوار أو الحرب. 

*محامي بمكناس.خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

كوكب الجزائر

كثيرة هي الأمور التي يمكن استنتاجها من "معركة القميص" بين المغرب والجزائر، والتي هي في الحقيقة صدام بين فريق لكرة القدم يمثل مدينة مغربية صغيرة غير بعيدة عن الحدود الجزائرية، ...