تشمل السياسة والاقتصاد والأمن.. هذه هي الأوراق التي يمكن أن "يَحرقها" المغرب إذا اختارَ التصعيد مع إسبانيا

 تشمل السياسة والاقتصاد والأمن.. هذه هي الأوراق التي يمكن أن "يَحرقها" المغرب إذا اختارَ التصعيد مع إسبانيا
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 3 يونيو 2021 - 13:12

لم تكن أزمة الهجرة غير النظامية التي شهدتها مدينة سبتة بعد دخول حوالي 10 آلاف شخص إلى المدينة الخاضعة للسلطة الإسبانية في ظرف 48 ساعة، وفق أرقام رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، سوى ورقة واحدة من عدة أوراق "ضغط" مطروحة، نظريا، على طاولة الرباط في حال ما اختارت التصعيد في صدامها الدبلوماسي مع مدريد، الذي صنفه مراقبون بأنه الأسوأ من نوعه منذ أزمة جزيرة ليلى سنة 2002.

ورغم أن المغرب اختار إلى حدود اللحظة عدم التعليق على خروج زعيم "البوليساريو"، إبراهيم غالي، من إسبانيا نحو الجزائر بعد الاستماع له من طرف المحكمة الوطنية الإسبانية العليا، بسبب اتهامه بالتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أن بوادر طي صفحات الأزمة تبدو ما زالت بعيدا، خاصة بعد تصريح وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بأن أصل المشكلة ليس قضية غالي وإنها "عداء إسبانيا لمغربية الصحراء".

بوجديمونت وكاسادو

ويظهر أن الأوراق السياسية متوفرةٌ أمام الدبلوماسية المغربية إن هي أرادت أن تواجه بها الحكومة الإسبانية التي تعاني من مشاكل داخلية كثيرة ومعقدة تجعل موقفها هشا أمام المعارضة والرأي العام، وأبرز ما يمكن أن تلجأ إليه الرباط هو فتح الباب أمام قادة انفصال كتالونيا، على اعتبار أن المغرب يضع ملف الصحراء في خانة "الطرح الانفصالي" مثله مثل الملف الكتالوني وهو ما أشار بوريطة حين تساءل في تصريحه يوم الاثنين الماضي "ماذا سيكون رد فعل إسبانيا لو تم استقبال شخصية انفصالية إسبانية في القصر الملكي المغربي؟".

وإذا كانت إسبانيا تصر على وجود اختلاف بين قضيتي الصحراء وكتالونيا، فإن المغرب يرى أنهما معا يضربان الوحدة الترابية للدولة، لذلك رفض في 2017 استقبال رئيس إقليم الواقع شمال شرق إسبانيا، كارليس بوجديمونت، في العام نفسه الذي نظم فيه استفتاء انفصال الإقليم، لكن هذا الموقف قد لا يظل على ثباته، فبوجديمونت، الذي قررت القضاء الأوروبي يوم أمس الأربعاء إعادة الحصانة البرلمانية الأوروبية له، وقف ضد حكومة إسبانيا في أزمة سبتة حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى عدم الانسياق وراء مدريد، موردا أن سبتة ومليلية "مدينتان إفريقيتان" وأنهما "جزء من أوروبا بسبب الإرث الاستعماري فقط"، وهو الخطاب ذاته الذي يتبناه المغرب رسميا.

ورغم ذلك، قد لا يجد المغرب نفسه مضطرا للمراهنة على "جواد كاتلونيا" في صراعه مع حكومة مدريد، فهناك أيضا إمكانية المراهنة على "بديل" رئيس الوزراء الاشتراكي الحالي بيدرو سانشيز، ويتعلق الأمر بزعيم الحزب الشعبي المحافظ، بابلو كاسادو، الذي أضحى الود بينهم وبين الفاعلين السياسيين المغاربة علنيا، لدرجة أنه وصف استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو بـ"التهور الكبير" من طرف الحكومة، التي دعاها إلى إصلاح علاقاتها مع المغرب عاجلا، ويوم أمس طالب حزبه بإقالة وزيرة الخارجية أرانتشا غونزاليس لايا، التي كانت وراء فكرة دخول غالي سرا.

مصالح اقتصادية بالملايير

وإلى جانب الأوراق السياسية، تبرز على طاولة المغرب أيضا أوراق اقتصادية مهمة، فالأمر يتعلق بمصالح اقتصادية بملايير الدولارات مع إسبانيا، إذ مع متم 2019، العام الذي سبق جائحة كورونا، أكد مكتب الصرف بالمغرب أن قيمة المبادلات التجارية بين البلدين بلغت 15 مليار دولار ما يجعل مدريد، للعام السابع على التوالي، الشريك الاقتصادي الأول للرباط متخطية باريس، كما أن المغرب هو الشريك الاقتصادي الأول لإسبانيا في إفريقيا والثالث خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك.

وتحظى إسبانيا عادة بامتيازات اقتصادية في المغرب حتى ضمن الاتفاقيات التي تربط المملكة بالاتحاد الأوروبي، وملف الصيد البحري أبرز مثال على ذلك، إذ يعد الأسطول الإسباني المستفيد الرئيس من الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2019 والتي تشمل سواحل الأقاليم الصحراوية، في مقابل سنوي يبدأ بـ48 مليون يورو في السنة الأولى ويصل إلى 55 مليون يورو في السنة الرابعة، وهو مقابل يرى مراقبون أنه "زهيد" وأن دافعه الأساس "سياسي" بحكم الشراكة التي تربط الرباط بمدريد على عدة مستويات.

وإلى جانب ذلك يستطيع المغرب لعب ورقة "المقاطعة الاقتصادية الشعبية"، التي بدأت إرهاصاتها تبرز عبر منصات التواصل الاجتماعي، عبر المطالبة بمقاطعة البضائع الإسبانية، السلاح الذي أثبت فعاليته في حملات سابقة همت منتجات مغربية وفرنسية، أو الدعوة للامتناع عن زيارة إسبانيا في ظل رغبتها في استعادة عافية القطاع السياحي بعد أزمة جائحة كورونا، علما أن 900 ألف سائح مغربي زاروا هذا البلد الإيبيري سنة 2018، أنفقوا خلالها ما يزيد عن 500 مليون يورو، وفق معطيات رسمية.

التنسيق الأمني.. أقوى ورقة

أما الورقة الأقوى في يد المغرب، والتي لا يُخفي سياسيو وإعلاميو الجار الشمالي تخوفهم من استعمالها، فهي ورقة "التعاون الأمني" التي تستمد قوتها من فعالية أجهزة المخابرات المغربية في الخارج، التي كانت وراء الكشف عن طريقة دخول زعيم "البوليساريو" إلى إسبانيا، ويبدو احتمال اللجوء إلى "القطيعة" على هذا المستوى مطروحة، بالنظر لتصريحات مسؤولين مغاربة المنتقدة لـ"غياب روح التعاون عن الشريك الإسباني"، بل ووصف ما جرى "طعنة في الظهر".

وبدون الحديث صراحة عن إمكانية ذهاب المغرب في هذا الاتجاه، ذَكَّر بوريطة، يوم الاثنين الماضي، الإسبان بمدى فعالية الشراكة مع المغرب على المستوى الأمني، سواء من خلال التصدي لموجات الهجرة السرية أو تهريب المخدرات، والأهم، إحباط "التهديدات الإرهابية"، فحسب أرقام وزارة الخارجية، مكن العمل المشترك مع الرباط من "تفكيك العديد من الخلايا وتحييد 82 عملا إرهابيا"، بالإضافة إلى "المساهمة الحاسمة التي تقدمها المملكة في التحقيقات التي أجريت أعقاب الهجمات الدموية في مدريد في مارس 2004".

وتعرف مدريد يقينا الفائدة الكبيرة للتعاون مع المغرب في هذا المجال، وهو ما أكده مؤخرا رئيس الوزراء الأسبق خوسي لويس رودريغيز ثباتيرو، في حديث لـ"كنال سور"، والذي اعترف به ضمنيا أيضا وزير الخارجية الحالي فيرنادو غراندي مارلاسكا، حين جرى توشيح عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني، بوسام "الصليب الأكبر للحرس المدني"، باقتراح منه، في شتنبر من سنة 2019، علما أن المسؤول الأمني المغربي كان قد وُشح قبل ذلك بوسام "الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني" الذي يعد أعلى وسام شرفي يُمنح لشخصيات أجنبية.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجر العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...