أثناء تقديمه الحصيلة السنوية لـ"وسيط المملكة".. حسن طارق: لا عدالة اجتماعية، لا تكافؤ للفرص، والمواطن يُترَك وحيدًا في مواجهة الإدارة
وجّه وسيط المملكة، حسن طارق، خلال ندوة صحافية عقدها صباح اليوم الخميس بالرباط، انتقادات لاذعة للسياسات العمومية التي تقودها الحكومة، مستعرضا في تقريره السنوي اختلالات صارخة تمسّ صميم العدالة الاجتماعية وفعالية الإدارة العمومية، في مشهد يؤشر إلى تعمق الفجوة بين خطاب الدولة وممارستها.
التقرير، قدّم إدانة ضمنية لمسار حكومي بات، حسب الوسيط، يفتقد للقدرة على ضمان المساواة وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور، وعلى رأسها الحق في السكن اللائق، التغطية الصحية، التقاعد، وكرامة المواطن أمام المرافق العمومية.
وسلّط التقرير الضوء على تعثر برنامج "فرصة"، الذي سبق للحكومة أن قدمته كرافعة لتشغيل الشباب وتحقيق العدالة المجالية، لكن الوسيط اعتبره مثالا حيا على فشل السياسات الانتقائية في بلوغ أهدافها، إذ تحوّل شعار تكافؤ الفرص، وفق تعبيره، إلى "واجهة تجميلية" تخفي خلفها هشاشة بنيوية في آليات الإنصاف الإداري والاجتماعي.
ولم يتوقف التقرير عند نقد السياسات الاجتماعية، بل مضى أبعد من ذلك في تشخيص عطب الحكامة المؤسساتية، متحدثا عن استمرار تعثر تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، واستفحال ظاهرة البيروقراطية في الولوج إلى المعلومة، ما يعمق أزمة الثقة بين المواطن والإدارة، ويحول النصوص القانونية الضامنة للحقوق إلى واجهات صورية لا تترجم فعلياً في الممارسة اليومية.
كما كشف التقرير أوجه قصور على المستوى الاقتصادي، سواء فيما يتعلق بحقوق الملكية، أو تدبير الأراضي السلالية، أو صفقات الدولة، لافتاً إلى غياب آليات فعالة للشفافية والمساءلة، الأمر الذي يُضعف مناعة الدولة أمام تحديات الفساد الإداري والاحتكار الاقتصادي ولم يغفل التحذير من هشاشة منظومة تدبير المخاطر البيئية الكبرى، التي لا تزال، رغم جسامة الرهانات المناخية، أسيرة مقاربات ظرفية عوض الرؤية الوقائية الاستباقية.
وفي مقابل هذا التشخيص القاتم، لم تغفل الوثيقة الإشارة إلى دينامية مؤسسة الوسيط ذاتها، التي استمرت في توسيع نطاق تدخلاتها، حيث عالجت خلال سنة 2024 ما مجموعه 5774 ملف تظلم، مقابل 5448 ملفا سنة 2023، وارتفع عدد ملفات التوجيه إلى 2182 ملفاً مقابل 1836 ملفاً في السنة التي قبلها وهي أرقام تعكس، حسب المؤسسة، تزايدا في حجم الطلب المجتمعي على خدمات الوساطة الإدارية، وتطوراً نسبياً في فعالية استجابتها.
وفي خطوة استشرافية لافتة، كشف حسن طارق عن توجه المؤسسة نحو بلورة مؤشر وطني للوساطة، يُراد له أن يكون أداة قياس علمية لترصد مدى نجاعة آلية الوسيط من خلال مؤشرات مركبة تشمل الطلب الاجتماعي على الوساطة، قدرة المؤسسة على التفاعل، ومدى تجاوب الإدارة وهو مشروع طموح يسعى إلى تحويل الوساطة من مجرد أداة تصالحية إلى آلية معيارية لتقييم فعالية الدولة في علاقتها بالمواطن.
لكن، ورغم هذه المبادرات خلُص التقرير إلى أن التوترات المرفقية لم تعد تُقاس فقط بمدى رضا المواطن عن الخدمات، بل أضحت عنوانًا للشرخ الاجتماعي الذي يتسع كلما تراجع أداء المرفق العمومي، وكلما غابت العدالة في توزيع فرص الإنصاف والتقويم.
وإذا كانت مؤسسة الوسيط قد أدت دورها في دق ناقوس الخلل، فإن الرسالة الأكبر في مضمون التقرير تبقى موجهة إلى صانع القرار كفى من ترحيل الأجوبة، وكفى من الاكتفاء بشعارات الإصلاح، فالمجتمع، كما تقول لغة الأرقام والوقائع، لم يعد يقبل بأنصاف الحلول، ولا يثق في المؤشرات المنمّقة التي لا تجد لها أثراً في يوميات المواطن العادي.
التقرير، بهذه الصيغة الجريئة والموثقة لا يُحمّل جهة بعينها المسؤولية، لكنه يضع الحكومة أمام مرآة الواقع، مرآة بلا تزييف، ويؤشر إلى أن الاستمرار في إدارة الشأن العام بمنطق التدبير الموسمي والمبادرات الظرفية، دون معالجة بنيوية للأعطاب الإدارية والاجتماعية، هو خيار قصير النفس، يهدد الاستقرار الاجتماعي أكثر مما يخدمه.