استطلاع رأي لـ"الصحيفة": 82 في المئة يؤيدون استقالة حكومة أخنوش و10 في المئة مع إكمال ولايتها قبل محاسبتها
أظهر استطلاع للرأي أجرته "الصحيفة" أن 82 في المئة من المغاربة يطالبون باستقالة الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش مقابل 10 في المئة فقط يرون ضرورة استكمال ولايتها، وهي أرقامٌ ثقيلة كفيلة بعكس حجم التآكل في الثقة ودرجة السخط التي فجّرتها موجة احتجاجات "جيل Z"، التي تحوّلت من تعبير رقمي على شبكات التواصل إلى غضب ميداني يجتاح الشوارع.
ومع نتائج هذا الاستطلاع الذي لا تختلف عن الاحتجاجات التي تخرج للشارع انتقادا لعمل الحكومة ونتائجها، يُطرح السؤال نفسه حول كيف وصلت حكومة الأغلبية الساحقة إلى عزلة شعبية بهذا الحجم ؟ فيما الإجابات تتوزع بين حصيلة اقتصادية متعثّرة وتراجعٍ دراماتيكي في قطاعات التعليم والصحة والتشغيل، وعجزٍ عن خلق الثروة أو حماية القدرة الشرائية، وسط أزمةٍ خانقة تضرب الشركات والطبقات الوسطى على السواء، لتتحول وعود "الدولة الاجتماعية" إلى مجرد شعار عالق في خطابات رسمية فقدت صلتها بالواقع، وفق المحتجين الذين يخرجون للشارع.
واستطلاع الرأي الذي أجرته جريدة "الصحيفة" حول أداء الحكومة المغربية عبّر 82 في المئة من المشاركين، أي ما يعادل 2050 مصوتا من أصل 2493، عن تأييدهم لاستقالة حكومة عزيز أخنوش بعد موجة الاحتجاجات التي قادها جيل الشباب المعروف بـ"جيل Z"، في حين رأى 10 في المئة فقط، أي 259 مصوتا أن الحكومة تحتاج إلى إكمال ولايتها قبل محاسبتها، بينما اختار 7 في المئة، أي 184 مشاركا، التصويت بـ"لا"، رافضين فكرة الاستقالة.
وهذه النسب الصريحة، تمثل انعكاسا مباشرا لحالة الغضب الشعبي التي تختمر في الشارع منذ أشهر وتعكس بشكل واضح حجم الهوة التي تفصل بين الحكومة والمواطنين، في وقتٍ تتوالى فيه المؤشرات على إخفاق حكومي واسع في الملفات التي كانت أساس الوعود الانتخابية بما فيها التشغيل، التعليم، الصحة، ومحاربة الفقر والبطالة.
فمنذ صعود عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة على رأس تحالف ثلاثي يضم حزب "الأصالة والمعاصرة" وحزب "الاستقلال"، بُنيت الآمال على أن تشهد البلاد تحوّلا نوعيا في مستوى المعيشة، وفي جودة الخدمات العمومية، غير أن ما تحقق على أرض الواقع على بعد عام من نهاية العمر السياسي للحكومة الحالية لا يعكس حجم الوعود ولا زخم البرنامج الذي وُصف وقتها بـ"الثوري"، بل يكشف عن تراجعٍ حاد في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وعن أزمة ثقة غير مسبوقة مع فئة عمرية وُلدت في عصر الرقمنة والانفتاح لكنها وجدت نفسها تصطدم بواقع من البطالة والغلاء وانسداد الأفق.
وجيل Z الذي ملأ الشوارع في مدن المغرب الكبرى من الدار البيضاء إلى أكادير، خرج كحركة تعبّر عن وعي جماعي جديد يرى في فشل الحكومة انعكاسا لمنظومة سياسية فقدت توازنها مع المجتمع. فهؤلاء الشباب، الذين تَشكّل وعيهم عبر المنصات الرقمية، لم يعودوا يؤمنون بخطابات الإنجاز المكرّرة بل يقيسون الواقع بلغة الأرقام سيما وأن البطالة تتجاوز 13% على الصعيد الوطني وتصل إلى أكثر من 35% في صفوف الشباب الحضريين، وتراجع القدرة الشرائية بنحو 10% خلال عامين، وارتفاع تكاليف المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث.
أما في قطاع التشغيل، الذي كان من أبرز الوعود الانتخابية للحكومة بعدما رفعت قبل أربع سنوات شعار خلق مليون منصب شغل في خمس سنوات، فيشكل أبرز أوجه الفشل إذ لم تتمكن من بلوغ سوى نسبة ضئيلة جدا من هذا الهدف، في وقت استمر فيه نزيف إفلاس المقاولات الصغيرة والمتوسطة إذ أن تقارير الاتحاد العام لمقاولات المغرب تتحدث عن آلاف الشركات التي أغلقت أبوابها منذ 2022، بسبب ضعف السيولة، ارتفاع كلفة الإنتاج، وغياب دعمٍ هيكلي حقيقي، وهذه الأرقام لا تمثل مجرد فشل إداري، بل انهيارا في أحد أعمدة النمو الاقتصادي، انعكس بدوره على سوق العمل وأدى إلى ارتفاع نسب البطالة في المدن الصناعية الكبرى.
في قطاع التعليم، الذي شكّل أحد أبرز بؤر الغضب، تعمّقت الأزمة أكثر مع تصاعد التوتر بين وزارة التربية الوطنية والأساتذة، واستمرار الاحتجاجات التي لم تهدأ رغم التعديلات الوزارية والوعود المتكررة بالإصلاح، وهنا التلاميذ والطلبة يعيشون واقعا هشا، بين مدارس مكتظة ومناهج متقادمة ومتغيرة، وبنية تحتية ضعيفة، بينما لم تنجح "خارطة الطريق للإصلاح التربوي" ومدارس الريادة في تحقيق أهدافها الفعلية على الأرض، في حين أن الجامعات العمومية فتعاني بدورها من نقص في الأطر التدريسية، ومختبرات متهالكة، وانكماش البحث العلمي لصالح التكوين الكمي غير المرتبط بحاجيات السوق.
أما في القطاع الصحي، فقد تبيّن أن المشاريع التي وُصفت في البداية بـ"الثورية"، مثل ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتوسيع التأمين الإجباري عن المرض، لم تترجم إلى تحسين ملموس في جودة الخدمات داخل المستشفيات العمومية.
فالمريض المغربي ما زال يواجه الطوابير الطويلة، وغياب الأطر الطبية، ونقص المعدات، وسوء التدبير في أقسام المستعجلات، ولعلّ مأساة وفيات النساء الحوامل في بعض المستشفيات بما فيها أكادير مؤخرا أعادت إلى السطح مأساوية الواقع الصحي وأظهرت أن الخطاب الرسمي حول "الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية" ظلّ بعيداً عن التنفيذ الفعلي.
وكل ذلك، يحدث في ظل حكومة وصفت نفسها بأنها "حكومة الكفاءات" وبأنها قادرة على "التنزيل الفعلي للدولة الاجتماعية"، لكن الأرقام التي تُنشر اليوم في التقارير الوطنية والدولية تعطي صورةً أخرى، إذ أن معدل النمو لا يتجاوز 3 في المئة، والعجز التجاري يزداد، والدين العمومي في ارتفاع، والاستثمارات الأجنبية المباشرة تعرف تراجعا ومعها تزداد مؤشرات الفقر والهشاشة، في حين تتآكل الثقة الشعبية في المؤسسات المنتخبة يوما بعد يوم.
الاستطلاع الذي أجرته "الصحيفة" عبّر فيه أكثر من أربعة أخماس المشاركين عن رغبتهم في استقالة الحكومة، وهو لا يعكس فقط مزاجا احتجاجيا عابرا، بل يُترجم سقوطا سياسيا ومعنويا لحكومة عجزت عن إقناع المغاربة بجدوى استمرارها.
فحتى أولئك الذين منحوا أصواتهم لحزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2021 بدافع الأمل في التغيير، بات كثير منهم يشعر بالخيبة من الأداء العام، خاصة في ظل الغلاء المستمر للمحروقات، وفشل الحكومة في التدخل لضبط الأسعار أو فرض المنافسة العادلة، رغم الوعود بمحاربة الاحتكار وإعادة النظر في تركيبة السوق.
وفي العمق، لا يمكن فصل نتائج هذا الاستطلاع عن التحولات الاجتماعية التي فجّرتها احتجاجات جيل Z، والتي نقلت النقاش من عالم الرقمنة إلى الشارع، لتضع الحكومة أمام مسؤولية تاريخية في استعادة الثقة. فالشباب الذين خرجوا بهتافات ضد الغلاء وضد اللامبالاة الحكومية لا ينتمون إلى أحزاب أو تنظيمات تقليدية، بل يمثلون شريحة واسعة من المجتمع تشعر بالتهميش وفقدان الأمل وترى أن "العدالة الاجتماعية" تحولت إلى شعار للاستهلاك الإعلامي أكثر منه إلى سياسة ملموسة.
ولقد حاولت الحكومة الترويج لخطاب "الإنجازات الرقمية" عبر مؤشرات انتقائية في مجالات الاقتصاد الكلي، لكنها تجاهلت أن المواطن لا يعيش في لغة المؤشرات، بل في تفاصيل الحياة اليومية أي فاتورة الماء والكهرباء، أسعار السلع، تكاليف التنقل، ومصاريف التعليم والعلاج ومع غياب قنوات تواصل فعالة مع الرأي العام، ازداد الشعور بالعزلة السياسية، وتحوّل الغضب إلى طاقة احتجاجية مفتوحة عبّرت عنها الشوارع والمنصات على حد سواء.
ويبدو أن حكومة عزيز أخنوش تواجه اليوم لحظة الحقيقة، تتمثل في أن فشلها لم يعد موضوع نقاش نخبوي، بل أصبح واقعا ملموسا في وعي المغاربة ويُترجم في استطلاعات الرأي، وفي الحركات الاحتجاجية، وفي التراجع الحاد في منسوب الثقة العامة، وبدل أن تكون حكومة الإنجاز أصبحت في نظر كثيرين حكومة الأزمات المتلاحقة التي أضاعت الفرصة لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، في زمنٍ كان يحتاج إلى قرارات جريئة، وإلى إنصاتٍ حقيقي لصوت الشارع بدل الاكتفاء بخطاب الأرقام.




