الانتخابات المحلية في ألمانيا.. مرشحون من أصول مغربية يتنافسون على المقاعد في مواجهة اليمين المتطرف
تشهد ولاية وستفاليا شمال الراين، أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد السكان، انتخابات بلدية حاسمة في الـ 14 من شتنبر القادم.
وستتجه أنظار المراقبين في ألمانيا وأوروبا إلى النتائج التي ستسفر عنها نتائج الاقتراع لأنه سيكون اختبارًا لشعبية الحزب المسيحي الديموقراطي، حزب المستشار فرديريش ميرتس لأن الولاية تعد منذ عقود معقله التقليدي. وفي سابقة لافتة، يشارك عدد كبير من مغاربة الولاية كمرشحين لأحزاب مختلفة، وذلك بالمقارنة مع السنوات الماضية.
ويفسر المحلل السياسي جاد مدني في تصريح خص به منبر "الصحيفة" الأمر بـ "بلوغ المغاربة من الجيلين الثاني والثالث من النضج السياسي ما يؤهلهم ليكونوا مرشحين ضمن قوائم الأحزاب"، ويضيف مدني أن هذه المشاركة السياسية "دليل على أن أبناء وأحفاد العمال الضيوف قد اندمجوا في النظام السياسي الألماني، وأدركوا أن مصالحهم يجب أن تُنظم وتُترجم إلى حضور فاعل داخل الأحزاب القائمة".
المغاربة قوة انتخابية تغري مختلف الأحزاب
باستثناء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، يتقدم المرشحون من أصول مغربية للانتخابات بمختلف الأطياف السياسية، من اليسار إلى الأحزاب اليمينية المعتدلة. ويوضح جاد مدني أن الأحزاب بدورها فهمت أن "كسب دعم مجتمعات مهاجرة قوية التنظيم – مثل الجالية المغربية – أمر أساسي".
وبالفعل فمدينة فوبرتال مثلا يعيش فيها حوالي 10 آلاف مغربية ومغربي يحق لهم التصويت، بينما يبلغ مجموع الناخبين هناك نحو 100 ألف شخص. أي أن الجالية المغربية وحدها تملك طاقة انتخابية تقدر بـ 10 بالمئة، ما قد يكون حاسماً في أي انتخابات.
مساعٍ ميؤوس منها لكبت أصوات المغاربة
ويرى الحزب اليميني المتطرف وأنصاره في المشاركة السياسية للمغاربة في الولاية خطرا عليهم لأن وجود مرشحات ومرشحين من أصول مغربية سيبعثر أوراقهم وسيحرمهم من الكثير من المقاعد. ولهذا السبب يحاول بعض أنصار اليمين المتطرف تخويف المرشحين المغاربة من دخول المشهد السياسي.
إحدى الضحايا نبيل داروي الذي يوكد في تصريح خصّ به "الصحيفة" بالقول: "تعرّضت سيارتي للتخريب لأن منشوري الانتخابي كان ظاهرًا داخلها: تم تهشيم الزجاج الأمامي وكسر باب السيارة وخلع المرآة الجانبية، وبعد يومين جرى تمزيق الإطارات الأربعة كلّها". مع ذلك، يصر نبيل داروي على إكمال حملته الانتخابية لأنه يريد أن يظهر "أن المغاربة قادرون على أكثر مما يظنون، وأننا نستطيع أيضًا أن نشارك في صياغة مستقبل وطننا الانتخابي هنا في ألمانيا"، على حد قوله.
وفي حالة أخرى يحاول مارسيل هافكه مرشح الحزب الليبرالي لمنصب عمدة مدينة فوبرتال تعبئة الناخبين من أجل حصد أصواتهم عبر شيطنة مغاربة المدينة. وتحدث في إحدى خطاباته عما وصفه "بينة عشائر مغربية" في المدنية. وقوبلت تصريحات السياسي الألماني بالتنديد من المرشحين المغاربة ومن مغاربة المدنية على حد سواء.
وأكدوا في بيان صحفي توصلت "الصحيفة" بنسخة منه "أن مثل هذه الهياكل غير موجودة" وأن "المغاربة في فوبرتال جزء من الحل - لا جزء من المشكلة". ويحذر البيان من تصريحات السياسي الألماني ويعتبر الرد عليه " برسالة مهمة - ليس فقط لفوبرتال، بل من جميع الجالية المغربية في ألمانيا". واختتم البيان بجملة تحمل دلالات "لن نصمت أبدًا في وجه أي هجوم سياسي علينا".
واستقبلت ولاية وستفاليا شمال الراين منذ عام 1963 فصاعدًا أولى موجات المهاجرين المغاربة حيث كانوا يعملون في مصنع أوبل في روسلسهايم أو في مناجم الفحم الحجري في منطقة الرور. وساهم مغاربة الولاية كما في باقي الولايات بشكل كبير في النهضة التي شهدها الاقتصاد الألماني خصوصا في مجال الصناعة والبنية التحتية.
وبالنسبة للكثير من المغاربة التي تحدثوا لـ"الصحيفة" فمحاولة بعض الساسة تضخيم بعض التجارب السلبية وسط مغاربة ألمانيا وتجاهل التجارب الإيجابية تكتيك انتخابي ليس بالجديد.
المغربيات في قلب المشهد الانتخابي
إلى جانب الرجال تتقدم النساء المغربيات المشهد الانتخابي، إذ يترشحن لمناصب مختلفة في عدة أحزاب. وترى الكثير من النساء في البرلمانية سناء عبدي أول مغربية في البرلمان الألماني نموذجا يقتدى به. وحصلت السياسية الشابة التي ولدت في تطوان وقضت فيها سنواتها الأولى قبل هجرة أمها إلى ألمانيا، للمرة الثانية على التوالي على مقعد برلماني في دائرة ترشحها بكولونيا باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
نورة باوكمان من أصول مراكشية تطمح لنيل منصب في الانتخابات القادمة، حيث تتقدم للمرة الثانية كمرشحة في مدينة مونستر. وبالنسبة لها فالهدف هو تحقيق "تمثيلية المرأة بشكل عام وللمرأة المغربية بشكل خاص لخلق فرص أفضل لهن في مختلف المجالات والحصول على مناصب عليا".

وفي ظل تصاعد اليمين المتطرف ومشاعر العنصرية تشدد نورة باوكمان على "أهمية دعم التنوع في المشهد السياسي المحلي وعلى المستوى الوطني حيث يساعد على مكافحة العنصرية"، كما توضح للصحيفة.
الانخراط السياسي لمغاربة ألمانيا
ورغم أن الأمر يتعلق بانتخابات محلية في ولاية وستفاليا شمال الراين، يرى المحل السياسي جاد مدني، أن ألمانيا في حاجة ماسة إلى هذا الانخراط، ليس فقط من أجل تمثيل المغاربة في ألمانيا، بل "أيضاً لتحسين العلاقات الألمانية – المغربية بشكل ملموس. ويسترسل مدني القول إن "وجود منتخبين من أصول مغربية يمكن أن يحوّل الاتفاقيات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الاتحادية إلى مشاريع محلية واقعية. وهذا يشمل مجالات مثل الطاقة والهجرة ورقمنة الإدارة، وهي قضايا تصب في مصلحة الطرفين."
مخاوف من صعود حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف
وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى أداء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي سجل في الاستطلاعات الأخيرة قفزة واضحة. وللمرة الأولى، بدأت نتائجه على المستوى المحلي تقترب من نتائجه على المستوى الاتحادي، بعدما كان تاريخيًا أضعف في الانتخابات البلدية بولاية وستفاليا شمال الراين مقارنة ببقية ألمانيا.
وبحسب معهد فورسا، فإن الحزب قد يحصل على 14 بالمئة من الأصوات، أي بزيادة قدرها 9 نقاط عن انتخابات 2020. هذا يعني أن عدداً أكبر بكثير من ممثلي حزب البديل سيدخلون المجالس المحلية المقبلة، لكن من شأن أصوات الألمان من خلفية مهاجرة كالمغاربة قلب موازيين القوى وفق مراقبين.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :