"أكديطال".. غول "تجارة المرض" في المغرب الذي سُخِرت له وسائل الدعاية "ضدا في القانون" للسيطرة على حصص المصحات الخاصة

 "أكديطال".. غول "تجارة المرض" في المغرب الذي سُخِرت له وسائل الدعاية "ضدا في القانون" للسيطرة على حصص المصحات الخاصة
الصحيفة من الرباط
الجمعة 26 أبريل 2024 - 22:34

في حي "أكدال" وسط العاصمة الرباط، وبجوار مُجمع "الرباط سانتر" التجاري، ثاني أكبر المولات مساحة في المغرب وإفريقيا، يُحاط وعاء عقاري كبير بسياج يخبر المارة أن هذا المكان سيستقبل إحدى أكبر مصحات القطاع الخاص على المستوى الوطني، ويتعلق الأمر باستثمار جديد لمؤسسة "أكديطال" يتزامن مع مشروع آخر مماثل في مدينة تطوان، وآخر في مدينة القنيطرة.. لتتحول المجموعة إلى أكبر فاعل في المجال الصحي "المؤدى عنه" في المغرب.

وأصبحت "أكديطال"، بالنسبة لكثيرين، رمزا لـ"خوصصة" القطاع الصحي، المسار الذي فتحت الدولة أبوابه مشرعة منذ سنوات، إلا أنه أضحى خيارا أكثر وضوحا في عهد حكومة عزيز أخنوش، رغم إصرار هذا الأخير على توصيف التجربة بأنها فترة تنزيل مقومات الدولة الاجتماعية.

والواضح أن السبل أمام "أكديطال" للسيطرة على "سوق" الصحة في المغرب وتحويل خدماتها إلى مجال تجاري أشبه بما يدور في "الرباط سانتر"، مُيسرة أكثر من غيرها، فحاليا هي المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها الاستفادة من وصلات دعائية عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية، بالإضافة إلى الترويج لخدماتها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وما يجعل الأمر مثيرا للتساؤلات هو أن القانون يمنع مزاولي مهنة الطب الممارسين بالمغرب من الإعلان لأنفسهم أو عبر المرضى من خلال الدعاية المباشرة، وفق ما جاء في القانون 131.13 المنظم للمهنة، وهو أمر سبق أن حذرت منه الهيئة الوطنية لأطباء بجهة الدار البيضاء سطات، في فبراير من سنة 2022، حين اعتبرت أن الدعاية عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل ممارسات "غير أخلاقية".

والملاحظ، أن "أكديطال"، المجموعة التي تأسست لأول مرة سنة 2011 والتي دخلت البورصة سنة 2022، تستفيد إلى أقصى حد من الوضع الحالي، ففي نونبر من سنة 2023 أعلنت أن رقم معاملاتها وصل إلى 507 مليون درهم عند متم الربع الثالث من العام، بارتفاع بلغ 91 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022.

المجموعة التي يشير اسمها إلى اسم مؤسسيها، الزوجين فاطمة أقديم ورشدي طالب، ماضية بشكل كبير في بسط سيطرتها على قطاع الصحة بالمغرب، مستفيدة من تراجع القطاع العام، وهي حالي حاضرة في معظم المدن الكبرى بالمملكة، وهو ما يفسر وصول رقم معاملاتها التراكمي خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2023 إلى 1.33 مليار درهم، بارتفاع بلغ 86 في المائة عما حققتها خلال الفترة ذاتها من العام السابق.

وتؤكد المجموعة أن أرقام معاملاتها في مصحاتها الأقدم بكل من الدار البيضاء والجديدة، تنمو بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى افتتاح مصحات كثيرة بشكل متتالٍ في كل من طنجة وفاس وأكادير وسلا والمحمدية وآسفي، وفي شتنبر من العام الماضي أعلن الرئيس المدير العام للمجموعة، رشدي طالب، أنها ستكون متواجدة في 20 مدينة مغربية في فترة لا تتجاوز الأشهر الأولى من سنة 2025.

وأصبحت "أكديطال" أبرز المستفيدين من قرار الحكومة تفويت الأصول العقارية للمستشفيات العمومية للقطاع الخاص، وهو ما تسميه حكومة أخنوش بـ"التمويلات المبتكرة"، والذي يمكن المستثمرين الخواص من الحصول على مقرات المؤسسات الطبية العمومية بعقد إيجار طويل الأمد، وهو واحد من الأسباب التي دفعت نقابات الصحة لإعلان خوض مسلسل من الإضرابات.

وفي مارس الماضي قال المدير العام للمجموعة أمام وسائل الإعلام إنه يدعم هذا القرار، باعتباره سيؤدي إلى تقليص الخصاص المسجل في العرض الصحي بالمغرب وسيدفع المستثمرين إلى التركيز على الخدمات الصحية عوض المجال العقاري، وكان ذلك بعدما أصدرت نقابات الصحة بلاغات تصف الأمر بأنه بيع للممتلكات الصحية العمومية.

هذا "التغول" المتسارع لـ"أكديطال" تجاوز صداه حدود المملكة، فجريدة "لوموند" الفرنسية كتبت، بتاريخ 22 أبريل 2024 مقالا بعنوان "في المغرب، تجري خوصصة قطاع الصحة"، مشيرة إلى أن اكتتاب المجموعة في البورصة الذي بلغ 4,5 مليار درهم كان الأكبر من نوعه منذ 14 عاما، حيث جمعت 8000 مساهم من 32 جنسية.

المقال الذي أشار إلى أن القطاع الخاص يحتكر ثلث أسِرة المستشفيات بالمغرب، نبّه إلى أن الأمر يتعلق بتحول كبير في المجال الصحي بالمغرب، حيث إن دخول "أكديطال" إلى البورصة يمثل أول إدراج لشركة تنتمي للقطاع الصحي في السوق المالي المغربي، مع تحقيق المجموعة لأرقام كبيرة، فقيمة السهم الذي كانت لا تتجاوز 300 درهم عند الإصدار استقرت في حوالي 740 درهما.

وأضحت "أكديطال" الرقم الأصعب في "تجارة المرض بالمغرب، مستفيدة من النصوص القانونية الجديدة المنظمة للمنهة، والصادرة سنة 2015، والتي سهلت انتشار المصحات الخاصة التي وصل تعدادها حاليا إلى 400 عوض أقل من 100 قبل نحو ربع قرن، محتكرة 15 ألف سرير، منها 22 مصحة و2300 سرير تحوزها المجموعة المذكورة.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...