صُحف الجزائر والكركرات.. بروباغندا إعلامية من عهد الدعاية النازية: اكذب ثم اكذب كي يُصدقك الناس!

 صُحف الجزائر والكركرات.. بروباغندا إعلامية من عهد الدعاية النازية: اكذب ثم اكذب كي يُصدقك الناس!
الصحيفة
الخميس 26 نونبر 2020 - 19:38

 حين يرقن شخص ما عبارة مثل "خسائر الجيش المغربي في الكركارات" أو "الجيش الصحراوي يقصف المواقع العسكرية المغربية"، فإنه سيجد أن الأغلبية الساحقة من المقالات التي تتبنى مثل هذه المضامين منشورة عبر مواقع تابعة لجبهة "البوليساريو" أو الصحافة الجزائرية، هذه الأخيرة التي أضحت تعتاش يوميا على شائعات تَقَدُّم الانفصاليين في الصحراء و"دك" القوات المغربية، وذلك منذ العملية العسكرية التي نفذتها هذه الأخيرة في 13 نونبر الجاري في الكركارات وانتهت بطرد عناصر الجبهة وإعادة فتح الطريق الرابطة بين المغرب وموريتانيا.

وفي ظل الفراغ السياسي الذي يعيشه الداخل الجزائري بسبب تدهور صحة الرئيس عبد المجيد تبون الموجود في ألمانيا دون أي أخبار مؤكدة بخصوص خروجه من مرحلة الخطر إثر تعرضه سكتة دماغية ناتجة عن تبعات إصابته بفيروس كورونا، وتزامنا مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد والتي كانت آخر تمظهراتها إغلاق مصنع "رونو" بشكل نهائي، أضحت الأخبار الزائفة المتعلقة بتطورات الوضع الصحراء تتصدر الصفحات الأولى لأبرز صحف البلاد، حتى ولو كانت تعتمد فقط على العناوين الصاخبة وصور من الأرشيف وأخرى مفبركة.

المصدر: الخيال الواسع!

المطلع مثلا على عدد يوم أمس الأربعاء 25 نونبر 2020 من جريدة "النهار" الجزائرية يصادف على صفحتها الأولى عنوانا عريضا يقول "كورونا من ورائكم والبوليساريو أمامكم.. فأين المفر؟" وفي الأعلى عنوان آخر يجزم بأن "الجيش المغربي يحصي قتلاه في الحرب"، ثم عند قراءة المادة يجد المتلقي أن الأمر كله مستند إلى بيان لما أسمتها الجريدة "وزارة الدفاع الصحراوية" التي تزعم أنها تواصل عملياتها لليوم الثالث عشر على التوالي وأن السماء صارت "تمطر جمرا" على الجيش المغربي الذي أصبح "في أضعف حالاته"، متحدثة بلغة اليقين عن اكتظاظ المستشفيات بالمصابين.

وعلى غرار مقالات أخرى تطفح بها الصحف الجزائرية يوميا، يعتمد المحرر على المبالغة بشكل فج للحديث عن هذه العمليات العسكرية المزعومة، فيقول بأن "جيش" البوليساريو مثلا شن قصفا على مواقع الجيش المغربي بمنطقة الفرسية ثلاث مرات خلال يوم الثلاثاء ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا هناك إذ "من لم يقتل في القصف الأول مات في الثاني أو الثالث"، أما في "أم دريكة" و"أوسرد" فقد شُن "قصف شديد خلف خسائر في الأرواح والمعدات وشوهدت ألسنة اللهب وأعمدة الدخان تتصاعد من بعض قواعد الجيش المغربي المستهدفة"، ثم يدعى أن هذه العمليات أودت بالجنود المغاربة إلى "التمرد" أو "الجنون" أو حتى "الانتحار".

لكن المثير للانتباه أنه رغم كل ذلك لم تنشر الصحيفة الجزائرية أي صورة لكل تلك العمليات، فلم يظهر على صفحاتها أي أثر لأعمدة الدخان المتصاعدة من المواقع المغربية مثلا ولا لآليات قوات البوليساريو أثناء تنفيذها لعمليات القصف، وحتى في المناطق التي تزعم أنه جرى دكها تماما وقتل كل من فيها لم تظهر أي مشاهد لما تصفه الصحافة الجزائرية بـ"الجيش الصحراوي" وهو يتوغل داخلها على الرغم من إصرارها على أنه "يخوض حرب التحرير الثانية".

اكذب ثم اكذب ثم اكذب

ويظهر أن النهج المعتمد في الصحف الجزائرية بخصوص قضية الصحراء يعود إلى أربعينات القرن الماضي، ويتعلق الأمر بأسلوب "جوزيف غوبلز"، وزير "الدعاية والتنوير العام" في عهد القائد النازي أدولف هتلر، والمفوض بأمور الحرب العالية الثانية خلال آخر سنة منها، وهو نفسه صاحب المقولة الشهيرة التي تلخص طبيعة عمل الإعلام المعتمد على الأخبار الزائفة "اكذب ثم اكذب ثم اكذب إلى أن يصدقك الناس"، والتي طبقها حرفيا حتى عندما كانت ألمانيا على شفير السقوط بينما وسائل إعلامها تروج لانتصارات وهمية على الحلفاء، لينتهي به المطاف منتحرا برصاصة في الرأس يوم فاتح ماي 1945 بعدما أيقن أن لا أمل تبقى للإفلات من الهزيمة.

ويتضح هذا التوجه من خلال تمحيص المواد التي تنشرها الصحافة الجزائرية، على غرار ما نشرته جريدة "الشروق" بتاريخ 25 نونبر 2020، والتي زعمت أن الجيش المغربي تكبد خسائر جسيمة نتيجة القصف المستمر على مواقعه، وأن المغرب يتكتم عن أرقام القتلى، أما مصدر مقالها هذا، الذي كان خاليا من أي صور ميدانية أو معطيات رقمية فهو "خبراء عسكريون" مجهولو الاسم والصفة يتضح فيما بعد أنهم ليسوا سوى عناصر البوليساريو أنفسهم.

ويبدو هذا النهج أيضا من خلال التلاعب حتى بتصريحات الأمم المتحدة، فحديث الناطق الرسمي باسم المنظمة ستيفان دوجاريك عن تلقي "تقارير عن إطلاق نار متقطع على طول الأجزاء الشمالية والشرقية من الجدار الرملي"، جعلته الصحيفة الجزائرية دليلا على صحة مزاعمها على الرغم من أنه لم يتحدث نهائيا عن أي قصف يمتد إلى أماكن تمركز الجيش المغربي وراء الجدار العازل ولا عن أي سقوط لضحايا خلال هذه العمليات، بل إن التصريح نفسه أكد أن بعثة المينورسو الأممية لا تزال موجودة في الكركارات.

وعلى النهج نفسه نسجت جريدة "النهار" في مقال منشور بتاريخ 23 نونبر 2020، أعلنت فيه عن " مقتل ضابط إماراتي وإصابة آخر بعد هجمات للجيش الصحراوي"، وهما الضابطان اللذان زعمت أنهما كانا يقومان "بمهام تقنية في مراقبة والتحكم بالطائرات من دون طيّار"، لكن الجريدة لم تكشف عن هويتهما ولا عن مكان "مقتلهما" ولا حتى عن مصدر هذه المعلومات، كما أنه لم يصدر لا عن المغرب ولا عن الإمارات ولا عن قوات الأمم المتحدة الموجودة في المنطقة أدنى إشارة لهذه المعلومة.

على الميدان شيء آخر

وتتجاهل الصحافة الجزائرية عادة حضور الأمم المتحدة كطرف في ملف الصحراء من خلال بعثة المينورسو التي توجد على رأس مهامها مراقبة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يعني أن حربا طاحنة بتلك الصورة التي تسوقها عبر صفحاتها يوميا لا يمكن أن تصمت تجاهها المنظمة الأممية وكأن شيئا لم يحصل، كما لا يمكن أن تخفى صور وفيديوهات القتلى والجرحى والدمار الذي تزعم أن مقاتلي البوليساريو خلفوه على الجانب المغربي من الحدود عن وكالة الأنباء والمنابر الإعلامية الدولية، التي لم تنشر إلى الآن أي تقرير يوثق ذلك ميدانيا ولم تنقل عن "المينورسو" أي تأكيد بخصوص هذه المزاعم.

وبالإضافة إلى ذلك، نسي الإعلام الجزائر أن المنابر التابعة لجبهة "البوليساريو" كانت قد نشرت على نطاق واسع خبرا نشرته صحيفة "القدس العربي" قبل أيام من تدخل القوات المسلحة الملكية في الكركارات مفاده أن الأمم المتحدة ستنقل موظفي "المينورسو" إلى جزر الكناري الإسبانية في حالة نشوب الحرب، والحال أن لا إسبانيا ولا المنظمة الأممية تحدثا عن اللجوء إلى هذه الخطوة إلا غاية اليوم، بل إن هذه الأخيرة أكدت أن عناصرها لا زالوا موجودين بالمنطقة سواء في الكركارات أو حتى في تندوف وتفاريتي.

وتزامنا مع ما تنشره الصحف الجزائرية يوثق المغرب تطورات تدخله في الكركارات بالصوت والصورة، وهو ما كان عليه الحال عندما أعاد تأهيل وفتح المعبر الحدودي وعاودت الشاحنات والمركبات المدنية المرور عبره، أو عندما شرع في تعبيد الطريق المؤدي إلى موريتانيا والذي يمر من وسط المنطقة العازلة، ثم أيضا عن طريق تحديد إطار التدخلات المسلحة للجيش المغربي ميدانيا، مثل الإعلان عن تدمير مركبة تابعة للجبهة الانفصالية محملة بالأسلحة بمنطقة المحبس شرق الجدار الأمني يوم 15 نونبر 2020.

وبسبب غياب أي مجهود غياب أي مجهود للتقصي الصحفي والتحقق من المعطيات من مصادر مختلفة عن المواد التي تنشرها الصحافة الجزائرية، واعتمادها أحيانا على صور وفيديوهات يتضح بسرعة أنها تعود لمواجهات عسكرية أخرى لم تجر في الصحراء، إلى جانب تغطيات منابر مغربية ودولية ميدانيا لما يحدث بالمنطقة، أضحى ما يروج في الإعلام الجزائري مادة للسخرية يتداولها المغاربة وحتى العديد من الجزائريين عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل الدعابة لا من أجل الإخبار.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...